جنيف تستضيف مؤتمر «نموذج الأمم المتحدة» ... 1700 طالب من 42 دولة يبحثون عن حل للأزمات الدولية
ياباني يمثل اهتمامات الأردن، وسنغالي يعبر عن مخاوف لبنان، وفنزويلي يصارع من أجل حقوق الأقليات في اندونيسيا، وهندي يدافع عن حماية الغابات في كندا... هذه الصور ليست خيالية لكنها تعيش على ارض الواقع لفترة من الزمن، إذ يجتمع سنوياً 1700 طالب من 42 دولة في مؤتمر يحمل اسم «نموذج الأمم المتحدة الدولي» الذي تنظمه جمعية طالبية خاصة تابعة لجامعة هارفارد الأميركية، وتطوف به دول العالم بالتعاون مع الجامعات المختلفة، وحط رحاله هذه السنة في جنيف.
يدرس هؤلاء الطلاب العلوم السياسية والقانون والاقتصاد والتاريخ، ويأملون في العمل مستقبلاً لدى الأمم المتحدة أو احدى المنظمات الدولية التابعة لها، ويرون في هذه المشاركة «أولى الممارسات العملية للتعرف الى آلية عمل هذه المنظومة الدولية التي تتطلع إليها الشعوب كملاذ أخير لحل المشكلات أو تهدئتها».
وفي احدى القاعات التي يتخيل الجالسون فيها أنهم في الوكالة الدولية للطاقة النووية، يدافع أميركي عن حق إيران في امتلاك الطاقة النووية، وعلى هذا الطالب أن يفند الحجج الأميركية التي تعارض بشدة السياسة الإيرانية، وأن يكتب تقارير ترد على هذا الرأي. بل عليه أيضاً أن ينتقد سياسة الولايات المتحدة تجاه طهران، ويضع من خلال القانون الدولي الردود المناسبة على المواقف الأميركية. وهذه مهمة ليست سهلة طبعاً، لكنها تصل الى هدف المؤتمر، وهو «أن تتعرف الى الآخر من خلال تبني موقفه».
ولعلها المصادفة هي التي جعلت طالباً أميركياً آخر يتقمص شخصية ديبلوماسي فلسطيني يناضل من أجل اقناع أعضاء مجلس الأمن بأن الجدار الإسرائيلي عنصري. وفي جلسة أخرى عليه أن يتحاور مع الاتحاد الأوروبي لإقناعه بأن العقوبات غير انسانية، وأن «حماس» منتخبة ديموقراطياً وعلى المجتمع الدولي احترام الخيار الفلسطيني.
الطالبان الأميركيان أمضيا وقتاً طويلاً في المكتبات ومراكز أرشيف الصحف غير الأميركية بحثاً عن الأصوات المؤيدة للفلسطينيين وخصوصاً في محاضر الأمم المتحدة التي تعج بمداخلات الديبلوماسيين الفلسطينيين ومن يؤيدوهم، ليستخلصا منها حلولاً ومبررات يقنعون بها الوفود الأخرى بعدالة القضية الفلسطينية ومدى الظلم الواقع عليها.
«تجربة ثرية بالفعل»، تقول جيهان حكيمي من جامعة الأخوين المغربية، «لأن هذا الأسلوب سيساعد ديبلوماسيي المستقبل على التعامل مع القضايا الدولية الحساسة من منظور محايد ومنطقي وعقلاني وبعيداً من الصور النمطية السلبية المسبقة والأحكام الشخصية التي تكون بعيدة من الواقع». وتتابع جيهان: «العالم الآن أصبح قرية كبيرة، يتأثر بالمشكلات أينما وقعت، ولم يعد الأمر مقتصراً على منطقة جغرافية بعينها بل ينتقل التأثير في شكل كبير إلى بقاع مختلفة لذا على الحلول أن تكون شاملة أيضاً».
وتكون المشكلة أصعب عندما يتولى طالب أوروبي الدفاع عن إسرائيل للرد على الاتهامات الموجهة إليها بخصوص ملف حقوق الإنسان الفلسطيني.
ويقول اسلام السيد مدير العمليات في لجنة تنسيق المؤتمر لـ «الحياة» إن العمل الطالبي في مثل تلك المؤتمرات من التخطيط إلى التنفيذ، «هو تجربة فريدة تثري خبرة كل طالب سواء في سنوات دراسته الأخيرة أو في مرحلة الدراسات العليا».
ويتابع من واقع خبرته الدراسية في لوزان (سويسرا): «التجربة خير من الكتب النظرية، فكل طالب عليه أن يتقمص شخصية ممثل دولة لا ينتمي اليها بصلة، ويدخل في الجلسات التي يتم تحديد محتواها مسبقاً وعليه أن يدافع عن وجهة نظر تلك الدولة، وهو ما سيدفعه للبحث بعمق في المراجع والقرارات الدولية ذات الصلة، وهو بذلك لا يعتمد على صورة نمطية مترسخة في ذهنه من الثقافة التي نشأ فيها، بل يعتمد على الحقائق وسيكون موضوعياً في طرح المشكلة أو انتقاد القرار الدولي إذا كان يتنافى مع مصلحة بلاده».
وإذا كان يعاب على هذا المؤتمر أن تكاليف الاشتراك فيه باهظة وبالتالي فهو حكر على النخبة الثرية من الشباب ولم يشارك فيه عدد كبير من الطلبة العرب، فإن إسلام السيد يدافع قائلاً: «رسم الإشتراك 100 دولار، وعلى الطالب أن يتحمل نفقات السفر والإقامة، ولكننا نساعد الطلاب من الدول النامية وفعلنا ذلك هذا العام مع بعض الطلبة الأفارقة والآسيويين، لكن المشكلة تكون أحياناً في عدم حصول أغلب الطلبة من الدول النامية على تأشيرات لدخول الدولة التي ينعقد فيها المؤتمر، ونحن نتنقل من بلد إلى آخر كل عام، ولكل دولة شروطها في منح تأشيرات الدخول، وهنا تقف إمكانياتنا المحدودة» بحسب قوله. ويضيف إسلام أن المؤتمر يرحب بالتعاون مع الجامعات العربية.
وتقول ساندي الحلو خريجة الجامعة اللبنانية في بيروت وتحضر حالياً الدكتوراه في هندسة الكومبيوتر والإتصالات في لوزان، «الهدف من هذا المشروع هو فهم الآخر والتواصل معه وعدم تبني وجهة واحدة بل التعرف الى الآخرين ومبررات قناعتهم بوجهة نظرهم». وعلى رغم تخصصها التقني، ترى أن العالم اليوم «يعيش على التقنية، وهناك منظمات وهيئات دولية تعمل في هذا المجال، ويجب أن نعرف كشباب الآن لماذا هذه الفجوة التقنية بين الشمال والجنوب وكيف يمكن جسرها والتغلب عليها، لأنها من أحد أهم وسائل التنمية والقضاء على الفقر ومحاربة التخلف».
حكمت المالح طالب الحقوق السوري في جامعة جنيف، ومتقمص دور المدير المساعد لمجلس الأمن، يرى أن أهمية المؤتمر تكمن في «اللقاء مع طلاب كثر من مختلف انحاء العالم، في أعمار متقاربة واهتمامات متشابهة، فنتبادل الخبرات في كيفية الإستعداد للجلسات وتناول الموضوعات».
وكان على المالح أن يقرأ عن موقف كل دولة في مجلس الأمن من القضايا المطروحة حالياً: «اتعرف من خلال هذا المؤتمر الى آليات عمل السياسة الدولية في مجلس الأمن، وتأثير علاقات الدول في ما بينها على سياسات المجلس، وبالتالي كيفية اتخاذ القرارات النهائية، والأهداف الديبلوماسية التي تسعى إليها الدول في اتخاذ قراراتها».
ويرى القانوني الشاب من خلال هذه التجربة أن وجود حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن «يؤدي إلى تلاشي العدالة، وهو من المشكلات التي لا حل لها حتى الآن»، ويرى من خلال عمله في مجلس الأمن «الافتراضي» أن هناك مساحة للحديث والتعبير عن حجم المشكلات، «لكن القرار يبقى دائماً في يد القوى العظمى، التي لها حق النقض»، كما يقول. أما الفائدة المرجوة الآن فهي بحسب رأيه «أن الحديث عن المشكلات الدولية والمعاناة والخروق للقانون الدولي يجب أن يتم تسجيلها في ملفات مجلس الأمن، إذ ربما يأتي اليوم الذي تتغير فيه آليات العمل في مجلس الأمن، فيكون لدينا رصيد وافر من المعلومات والوثائق القانونية السليمة التي تعبر عن موقف الدول والصورة الحقيقية للمشكلات، فقد يأتي اليوم الذي يتخذ مجلس الأمن قرارات اقرب قدر المستطاع إلى وجهة نظر الرأي العام الدولي».
ياباني يمثل اهتمامات الأردن، وسنغالي يعبر عن مخاوف لبنان، وفنزويلي يصارع من أجل حقوق الأقليات في اندونيسيا، وهندي يدافع عن حماية الغابات في كندا... هذه الصور ليست خيالية لكنها تعيش على ارض الواقع لفترة من الزمن، إذ يجتمع سنوياً 1700 طالب من 42 دولة في مؤتمر يحمل اسم «نموذج الأمم المتحدة الدولي» الذي تنظمه جمعية طالبية خاصة تابعة لجامعة هارفارد الأميركية، وتطوف به دول العالم بالتعاون مع الجامعات المختلفة، وحط رحاله هذه السنة في جنيف.
يدرس هؤلاء الطلاب العلوم السياسية والقانون والاقتصاد والتاريخ، ويأملون في العمل مستقبلاً لدى الأمم المتحدة أو احدى المنظمات الدولية التابعة لها، ويرون في هذه المشاركة «أولى الممارسات العملية للتعرف الى آلية عمل هذه المنظومة الدولية التي تتطلع إليها الشعوب كملاذ أخير لحل المشكلات أو تهدئتها».
وفي احدى القاعات التي يتخيل الجالسون فيها أنهم في الوكالة الدولية للطاقة النووية، يدافع أميركي عن حق إيران في امتلاك الطاقة النووية، وعلى هذا الطالب أن يفند الحجج الأميركية التي تعارض بشدة السياسة الإيرانية، وأن يكتب تقارير ترد على هذا الرأي. بل عليه أيضاً أن ينتقد سياسة الولايات المتحدة تجاه طهران، ويضع من خلال القانون الدولي الردود المناسبة على المواقف الأميركية. وهذه مهمة ليست سهلة طبعاً، لكنها تصل الى هدف المؤتمر، وهو «أن تتعرف الى الآخر من خلال تبني موقفه».
ولعلها المصادفة هي التي جعلت طالباً أميركياً آخر يتقمص شخصية ديبلوماسي فلسطيني يناضل من أجل اقناع أعضاء مجلس الأمن بأن الجدار الإسرائيلي عنصري. وفي جلسة أخرى عليه أن يتحاور مع الاتحاد الأوروبي لإقناعه بأن العقوبات غير انسانية، وأن «حماس» منتخبة ديموقراطياً وعلى المجتمع الدولي احترام الخيار الفلسطيني.
الطالبان الأميركيان أمضيا وقتاً طويلاً في المكتبات ومراكز أرشيف الصحف غير الأميركية بحثاً عن الأصوات المؤيدة للفلسطينيين وخصوصاً في محاضر الأمم المتحدة التي تعج بمداخلات الديبلوماسيين الفلسطينيين ومن يؤيدوهم، ليستخلصا منها حلولاً ومبررات يقنعون بها الوفود الأخرى بعدالة القضية الفلسطينية ومدى الظلم الواقع عليها.
«تجربة ثرية بالفعل»، تقول جيهان حكيمي من جامعة الأخوين المغربية، «لأن هذا الأسلوب سيساعد ديبلوماسيي المستقبل على التعامل مع القضايا الدولية الحساسة من منظور محايد ومنطقي وعقلاني وبعيداً من الصور النمطية السلبية المسبقة والأحكام الشخصية التي تكون بعيدة من الواقع». وتتابع جيهان: «العالم الآن أصبح قرية كبيرة، يتأثر بالمشكلات أينما وقعت، ولم يعد الأمر مقتصراً على منطقة جغرافية بعينها بل ينتقل التأثير في شكل كبير إلى بقاع مختلفة لذا على الحلول أن تكون شاملة أيضاً».
وتكون المشكلة أصعب عندما يتولى طالب أوروبي الدفاع عن إسرائيل للرد على الاتهامات الموجهة إليها بخصوص ملف حقوق الإنسان الفلسطيني.
ويقول اسلام السيد مدير العمليات في لجنة تنسيق المؤتمر لـ «الحياة» إن العمل الطالبي في مثل تلك المؤتمرات من التخطيط إلى التنفيذ، «هو تجربة فريدة تثري خبرة كل طالب سواء في سنوات دراسته الأخيرة أو في مرحلة الدراسات العليا».
ويتابع من واقع خبرته الدراسية في لوزان (سويسرا): «التجربة خير من الكتب النظرية، فكل طالب عليه أن يتقمص شخصية ممثل دولة لا ينتمي اليها بصلة، ويدخل في الجلسات التي يتم تحديد محتواها مسبقاً وعليه أن يدافع عن وجهة نظر تلك الدولة، وهو ما سيدفعه للبحث بعمق في المراجع والقرارات الدولية ذات الصلة، وهو بذلك لا يعتمد على صورة نمطية مترسخة في ذهنه من الثقافة التي نشأ فيها، بل يعتمد على الحقائق وسيكون موضوعياً في طرح المشكلة أو انتقاد القرار الدولي إذا كان يتنافى مع مصلحة بلاده».
وإذا كان يعاب على هذا المؤتمر أن تكاليف الاشتراك فيه باهظة وبالتالي فهو حكر على النخبة الثرية من الشباب ولم يشارك فيه عدد كبير من الطلبة العرب، فإن إسلام السيد يدافع قائلاً: «رسم الإشتراك 100 دولار، وعلى الطالب أن يتحمل نفقات السفر والإقامة، ولكننا نساعد الطلاب من الدول النامية وفعلنا ذلك هذا العام مع بعض الطلبة الأفارقة والآسيويين، لكن المشكلة تكون أحياناً في عدم حصول أغلب الطلبة من الدول النامية على تأشيرات لدخول الدولة التي ينعقد فيها المؤتمر، ونحن نتنقل من بلد إلى آخر كل عام، ولكل دولة شروطها في منح تأشيرات الدخول، وهنا تقف إمكانياتنا المحدودة» بحسب قوله. ويضيف إسلام أن المؤتمر يرحب بالتعاون مع الجامعات العربية.
وتقول ساندي الحلو خريجة الجامعة اللبنانية في بيروت وتحضر حالياً الدكتوراه في هندسة الكومبيوتر والإتصالات في لوزان، «الهدف من هذا المشروع هو فهم الآخر والتواصل معه وعدم تبني وجهة واحدة بل التعرف الى الآخرين ومبررات قناعتهم بوجهة نظرهم». وعلى رغم تخصصها التقني، ترى أن العالم اليوم «يعيش على التقنية، وهناك منظمات وهيئات دولية تعمل في هذا المجال، ويجب أن نعرف كشباب الآن لماذا هذه الفجوة التقنية بين الشمال والجنوب وكيف يمكن جسرها والتغلب عليها، لأنها من أحد أهم وسائل التنمية والقضاء على الفقر ومحاربة التخلف».
حكمت المالح طالب الحقوق السوري في جامعة جنيف، ومتقمص دور المدير المساعد لمجلس الأمن، يرى أن أهمية المؤتمر تكمن في «اللقاء مع طلاب كثر من مختلف انحاء العالم، في أعمار متقاربة واهتمامات متشابهة، فنتبادل الخبرات في كيفية الإستعداد للجلسات وتناول الموضوعات».
وكان على المالح أن يقرأ عن موقف كل دولة في مجلس الأمن من القضايا المطروحة حالياً: «اتعرف من خلال هذا المؤتمر الى آليات عمل السياسة الدولية في مجلس الأمن، وتأثير علاقات الدول في ما بينها على سياسات المجلس، وبالتالي كيفية اتخاذ القرارات النهائية، والأهداف الديبلوماسية التي تسعى إليها الدول في اتخاذ قراراتها».
ويرى القانوني الشاب من خلال هذه التجربة أن وجود حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن «يؤدي إلى تلاشي العدالة، وهو من المشكلات التي لا حل لها حتى الآن»، ويرى من خلال عمله في مجلس الأمن «الافتراضي» أن هناك مساحة للحديث والتعبير عن حجم المشكلات، «لكن القرار يبقى دائماً في يد القوى العظمى، التي لها حق النقض»، كما يقول. أما الفائدة المرجوة الآن فهي بحسب رأيه «أن الحديث عن المشكلات الدولية والمعاناة والخروق للقانون الدولي يجب أن يتم تسجيلها في ملفات مجلس الأمن، إذ ربما يأتي اليوم الذي تتغير فيه آليات العمل في مجلس الأمن، فيكون لدينا رصيد وافر من المعلومات والوثائق القانونية السليمة التي تعبر عن موقف الدول والصورة الحقيقية للمشكلات، فقد يأتي اليوم الذي يتخذ مجلس الأمن قرارات اقرب قدر المستطاع إلى وجهة نظر الرأي العام الدولي».